والمتنبي

أبو الطيب:
مَلامُ النَّوى في ظُلْمِها غايَةُ الظُّلْمِ لَعَلَّ بِها مِثْلَ الَّذي بي مِنَ السُّقْمِ
أبو براء:
أتعتذر للمقتدر على الظلم عن ظلمه؛
قد رِبْتنا -والله- في قدامة رأيك الأصيل!

أبو الطيب:
فَلَوْ لَمْ تَغَرْ لَمْ تَزْوِ عَنّي لِقاءَكُمْ وَلَوْ لَمْ تُرِدْكُمْ لَمْ تَكُنْ فيكُم خَصْمِي
أبو براء:
ينبغي أن يكون صاحبُ النوى الذي استأثرَتْ به هو ممدوحَك لا صاحبتَك؛
فما كان لعربي أبيٍّ أن ينحرف ذوقه إلى غير ذلك!
أبو الطيب:
أَمُنْعِمَةٌ بِالْعَوْدَةِ الظَّبْيَةُ الَّتي بِغَيْرِ وَلِيٍّ كانَ نائِلُها الوَسْمِي
أبو براء:
ينبغي إذن أن تكون النوى هي سُترة الموت المخشي على صاحبتك ذِكرُه؛
لا سبيل إلا ما سبّلتُ لك!
أبو الطيب:
تَرَشَّفْتُ فاها سُحْرَةً فَكَأَنَّني تَرَشَّفْتُ حَرَّ الْوَجْدِ مِنْ بارِدِ الظَّلْمِ
أبو براء:
لعلك نظَرت!
لعلك حلَمت!
لعلك حُمِمت!
أبو الطيب:
فَتاةٌ تَساوى عِقْدُها وَكَلامُها وَمَبسِمُها الدُرّيُّ في الْحُسْنِ وَالنَّظْمِ
أبو براء:
كأنها لما نبغتْ سحرَت البيان؛ فإذا كلماتها يُخيَّل إليك أنها لآلئ- وأنها أخذت منها ثلثين فصفّتهما على فكي فمها، وثلثا فصفته على لَبَّتها!
أبو الطيب:
وَنَكْهَتُها وَالْمَندَليُّ وَقَرْقَفٌ مُعَتَّقَةٌ صَهْباءُ في الرّيحِ وَالطَّعْمِ
أبو براء:
وأين هذه من الدنيا -يا مسكين!-
وأيان، وأنى، وهيهات، وأيهات!
لو كانت لكافحتُك عنها، ولو أن أُعِين عليك!
أبو الطيب:
جَفَتْني كَأَنّي لَسْتُ أَنْطَقَ قَوْمِها وَأَطْعَنَهُمْ وَالشُّهْبُ في صورَةِ الدُّهْمِ
أبو براء:
وما حاجتك إلى طعن سنانك، وهذا طعن لسانك قد أقام الدنيا وأقعدها!
ولكن قدر الله ألا يرضى أحد بما في يده،
حتى يطلب ما في يد غيره!
أبو الطيب:
يُحاذِرُني حَتْفي كَأَنِّيَ حَتْفُه وَتَنْكُزُني الْأَفْعى فَيَقْتُلُها سَمِّي
أبو براء:
ومثل مَن وصفتَ لا يعيش طويلا؛
فلا بد لمن يحاذرك مِن أن يغافلك،
لا مفر من سُنّة هذه الدنيا إلا إليها!
أبو الطيب:
طِوالُ الرُدَيْنِيّاتِ يَقْصِفُها دَمي وَبيضُ السُّرَيْجيّاتِ يَقْطَعُها لَحْمِي
أبو براء:
نعم التخلي قبل التحلي،
أن تَستخدم لِقلبك!
أبو الطيب:
بَراني السُّرى بَرْيَ الْمُدى فَرَدَدْنَني أَخَفَّ عَلى الْمَرْكوبِ مِنْ نَفَسي جِرْمِي
أبو براء:
وملام السرى في بريه مثل ملام النوى؛
فلعل بهما كليهما ما يجول كل مجال،
ويتمثل بكل مثال!
أبو الطيب:
وَأَبْصَرَ مِنْ زَرْقاءِ جَوٍّ لِأَنَّني إِذا نَظَرَت عَيْنايَ شاءَهُما عِلْمِي
أبو براء:
ثم أُخِذَتْ واقتلعت عيناها؛
فإذا في أصول عروقهما سَحيق الإثمد!
أبو الطيب:
كَأَنّي دَحَوْتُ الْأَرْضَ مِنْ خِبْرَتي بِها كَأَنّي بَنى الْإِسْكَنْدَرُ السَّدَّ مِنْ عَزْمِي
أبو براء:
تهاويتَ -يا مسكين!- بعدما تساميتَ!
اللهم، إني أعوذ بك من الحَور بعد الكَور!

Related posts

Leave a Comment